أريد أن أجمع أيام عمري المتناثرة، أن أخط لكم آلامي وأحزاني،
أترجم أحلامي وأمنياتي التي ربما عجزت عن تحقيقها لنفسي
وأريد أن أحققها لكم وفيكم.
عشت ما يقارب سبعة عشر عاماً بين عائلة كأن بينهم وبين الصلاة عداوة غريبة فلا أحظى برؤية الوالد يركع لله ركعة إلا في شهر الصوم، والوالدة إن أدت صلاتها في ذلك اليوم أدتها ساهية لاهية،
أما باقي أفراد العائلة فأفكارهم أوروبية بحتة كيف لا وهم منذ صباهم يعيشون بلا إشراف أو توجيه سليم؟
عشت في مجتمع يرى الناس فيه أن عبادة الله تقتصر على بعض الشعائر الدينية التي لا يقوم بها إلا كبار السن فقط.
لذا عشت في برج عاجي، الطبع المتعالي سمتي، أفعل ما يأمرني به الشيطان من سفور وتبرج. وكم كنت أفرح عندما أجد نظرات المعجبين تدور من حولي. لم أجد من ينهاني أو يرشدني، فالأب منشغل بتجارته، والأم بعيدة كل البعد عني كأني لا أعنيها ولا تشغلها قضيتي.
كانت كل متع الدنيا محيطة بي أفعل ما أريد وأطلب ما أريد، لكن رغم كل هذا لم أكن أجد لحياتي طعماً. كانت عقيمة من كل معاني السعادة والراحة، كان كل يوم يمر يزداد التوتر والقلق داخل نفسي .
تتقاذفني مشاعر متمازجة، أفكار متضاربة، تعبت، أحتاج إلى أرضية ثابتة مستقرة أرسو عليها وأثبت، وأزرع الآمال والأمنيات وتتجذر فيها الأحلام والطموحات.
تعبت من ازدواجية المعايير من ضياع القيم والمبادئ المشوشة، تختلط المشاعر وتضطرب ما بين مد وجزر.
أأبقى أسيرة متع الدنيا، أم أنسى عنوان حياتي وأختار آخر؟
هل سأكون قادرة على مجابهة تلك الفتن؟ هل سأتخطى كل ما اعتادته النفس من تبرج وسفور وحفلات وسهرات؟ أم أن الفتن ستلقيني إلى البعيد؟
وجدت أن أنهض وأغسل وجهي وأطرد غيمة أفكار سوداء ألقت عليّ بظلالها. بدأت بتصحيح هيئتي فاستبدلت بتلك الثياب البذيئة ثياباً أجمل بل في غاية الروعة تتسم بالوقار والهيبة عندها فقط وجدت السكن والهدوء النفسي. ورغم كل العراقيل التي وقفت في طريقي ورغم كل المكائد والمؤامرات التي نصبت شباكها للإيقاع بي من كل المحيطين الذين كان هدفهم إضعاف عزيمتي مما سيؤدي إلى إضعافي وضياع ديني.
رفضت كل المغريات ودست على لذائذ الدنيا أحاول أن أتخطاها، استطعت بحمد الله أن أتخطى بعضاً من الحفر والممرات الوعرة، كما أن الشيطان نجح في بعض الأمور وأوقعني في دروب ومسالك لا نهاية لها لكن في كل مرة كنت أفشل، كنت أجد في نفسي الدافع إلى التحدي والصمود. أحاول أن أنسى تلك الأفكار العقيمة التي نشأت عليها، والتي يحاولون ترسيخها في ذهني.
أصنع لنفسي أفكاراً ومبادئ من رحاب الإسلام، تلك المبادئ التي ترتاح لها النفس كيف وهي من البارئ عز وجل.
نجحت وبحمد الله أن أنسى كل الذي اعتادته النفس من سفور وتبرج. ربما أكون افتقدت أشياء كنت أرغب القيام بها لكن الله عوضني عنها خيراً بنفس مطمئنة، وسريرة هادئة، كما أني أنعم بصحبة طيبة عوضتني عمن أفتقده. والأكثر من هذا أني أجد نظرات الاحترام في عيون المحيطين بي حتى هؤلاء الذين يحاولون إغرائي بمتع الدنيا.
حتى الآن رغم أن المسافات قاربت الستة كيلومترات أي الست سنوات إلا أن المكائد والمؤامرات ما زالت تحاك لتدميري، نجحت في التغلب على بعضها وفشلت في بعضها الآخر، لكني ما زلت أقول: يا دنيا غري غيري.
حاولت أن ألخص تجربتي من واقع الحياة لتتأكد أخي القارئ أنه يجب علينا التحدي. فالكثير يواجه الظروف نفسها، رفض الأهل الالتزام، أو رفض شيطان النفس، لكن علينا أن نتخطى تلك المغريات الملتفة حولنا كأفعى تريد أن تدس السم في أجسامنا وتهرب لتختبئ .
أعلم بأننا نعيش في عالم التناقضات، الأديب سخر إبداعه لمحو الأدب من نفوسنا، والصحفي بدلاً من أن لا يكون قلمه سيفاً لقطع من يهدم العقيدة نجده اليوم سخر السيف والقلم لهدم العقيدة.
لنكن على إدراك أنه بأيدينا نستطيع أن نسيطر على حياتنا ونكون أقوى من أنفسنا. فالنفس أمارة بالسوء. علينا أن نفكر فيمن هم حولنا لنكون مؤثرين لا متأثرين فقط، دعونا نتخط كل المبادئ العلمانية التي يريدون منا أن نتشبع بها ونعيش في أجواء إيمانية حتى لو أدى بنا ذلك إلى أن نجد أنفسنا بعيدين عن كل لذائذ الدنيا، دعونا نترك المبارزة بالمعاصي ونتذوق لذة الدمعة والخشية من الله.
ردروووووود